الرياض: بمتوسط معدل نمو بلغ 4 في المائة على مدى السنوات السبع الماضية ومسار تصاعدي تغذيه بيئة مؤيدة للأعمال، أظهرت المملكة العربية السعودية مرونة ملحوظة وسط التحديات الاقتصادية العالمية.
ونظرًا لموقعها الاستراتيجي واقتصادها القوي ورؤيتها الطموحة 2030، فليس من المستغرب أن تقف المملكة كمنارة للتقدم والتنمية في المنطقة.
والأمر الأساسي في ذلك هو جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والعمل على إبرام صفقات مع الدول المجاورة لضمان بقاء المملكة العربية السعودية مفتوحة للأعمال التجارية.
وقال محمود خيري، الخبير الاقتصادي ومستشار السياسات، لصحيفة عرب نيوز إن المملكة “حسنت العلاقات التجارية وخفضت الحواجز” في هذا الصدد في إطار سعيها لتنفيذ استراتيجية رؤية 2030.
وتهدف الخطة إلى تقليل اعتماد البلاد على النفط وتنويع اقتصادها وإنشاء مجتمع نابض بالحياة.
وأضاف خيري: “مع الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد في ظل رؤية 2030، بدأت المملكة بالفعل في اتخاذ خطوات جادة للاستفادة من موقعها الاستثنائي من خلال إنشاء مناطق لوجستية وتجارة حرة، وجذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز الشراكات التجارية”.
وأكد خيري أن الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية ومنصات التجارة الإلكترونية ستعمل على تحديث بيئة الأعمال في المملكة وتعزيز ارتباطها بالأسواق العالمية.
وأضاف أنه تم التخطيط لإجراءات جديدة لتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية ومواصلة تحسين بيئة الاستثمار، كما تم بذل جهود ضخمة لتحسين البيئة المالية.
وقد ردد تحليل خيري الخبير الاقتصادي المقيم في السعودية دالات حافظ، الذي قال لصحيفة عرب نيوز: “إن إحدى الركائز الأساسية لرؤية السعودية 2030 هي خلق بيئة أعمال تدعم النمو الاقتصادي في المملكة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتنويع اقتصاد المملكة. . . والطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هي تسهيل التجارة والتبادل التجاري.
بوابة التجارة العالمية
تقع المملكة العربية السعودية على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يجعلها مركزًا طبيعيًا للتجارة الدولية، مما يمنحها ميزة مميزة عندما يتعلق الأمر بتوزيع البضائع عبر قنوات التجارة الآسيوية الأوروبية وشبه الجزيرة العربية. .
ومع إمكانية الوصول إلى أكثر من 424 مليون مستهلك في نطاق ثلاث ساعات طيران، تعد البلاد بمثابة بوابة فعالة للأسواق الممتدة عبر ثلاث قارات.
تعد صناعة الشحن والخدمات اللوجستية السعودية، المدعومة بالاستثمارات التي تقودها الحكومة في البنية التحتية، جزءًا مهمًا من المشهد الاقتصادي للمملكة.
بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا واسعة النطاق للتوسع والتحديث في موانئها، مثل ميناء الملك عبد العزيز في الدمام وميناء الملك عبد الله في جدة، حيث تم دمج أحدث التقنيات للتعامل بكفاءة مع البضائع.
وقال خيري إن تطوير مثل هذه الموانئ الحديثة “يزيد من قدرة البلاد على التعامل مع كميات كبيرة من البضائع، وبالتالي تحسين الكفاءة وتقليل وقت عبور البضائع الداخلة والخارجة من المنطقة”.
بالمقارنة مع العديد من الدول الغربية، تعد معدلات الضرائب على الشركات في المملكة العربية السعودية منخفضة بشكل ملحوظ، حيث تستفيد بعض الصناعات والمناطق من الإعفاءات الضريبية أو المعدلات المنخفضة.
محمود خيري، خبير اقتصادي ومستشار سياسات
وأضاف حافظ: “بإجمالي 290 رصيفاً، تشكل موانئ المملكة العربية السعودية أكبر شبكة موانئ في الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يساهم بشكل كبير في التنمية الوطنية فحسب، بل يوضح أيضًا المكانة الإقليمية والدولية الهائلة للمملكة”.
وأكد أن موانئ البلاد قادرة على استيعاب أي نوع من السفن، مما دفع هيئة الموانئ السعودية، المعروفة أيضًا باسم المواني، إلى توفير محطات متخصصة لمختلف أنواع البضائع.
كما يتم تنفيذ استثمارات كبيرة في توسيع شبكات السكك الحديدية والطرق لتحسين الاتصال وتبسيط حركة البضائع داخل البلاد.
ووفقا لخيري، فإن توسيع وتطوير شبكات النقل بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والمطارات سيؤدي إلى تحسين الاتصال محليا ودوليا.
وأضاف: “يسهل هذا الاتصال السلس حركة البضائع والأشخاص، ويدعم كفاءة سلسلة التوريد ويمكّن الشركات من الوصول إلى الأسواق العالمية بشكل أكثر فعالية”.
توفر البنية التحتية اللوجستية الراسخة في المملكة العربية السعودية فرصًا لا مثيل لها لشركات الخدمات اللوجستية والمصنعين الذين يتطلعون إلى الاستفادة من مزاياها الاستراتيجية.
بيئة صديقة للأعمال
توفر المملكة بيئة صديقة للأعمال تتميز بسياسات اقتصادية مستقرة وحوافز حكومية وسكان من الشباب البارعين في التكنولوجيا.
وأشار حافظ إلى أن المملكة العربية السعودية “تجاوزت أماكن مهمة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التابع للبنك الدولي والمعهد الدولي للتنمية الإدارية، مما يجعل المملكة واحدة من أفضل الدول التي تحسنت في العالم”.
وصنف مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الاقتصادات من المرتبة 1 إلى 190، حيث احتلت المملكة المرتبة 62 في التقرير النهائي الصادر عام 2020.
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 30 في تصنيف التنافسية الرقمية العالمي لعام 2023 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، والذي يقيم قدرة الاقتصاد واستعداده لتبني واستكشاف التقنيات الرقمية كمحركات رئيسية للتحول الاقتصادي في الأعمال والحكومة والمجتمع الأوسع.
من خلال الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، والمعروفة باسم SAGIA، تقدم الحكومة حوافز مختلفة لجذب المستثمرين الأجانب. وتشمل هذه الحوافز انخفاض معدلات الضرائب على الشركات، وتبسيط لوائح الأعمال، وتطوير البنية التحتية القوية.
وأشار خيري إلى أنه “مقارنة بالعديد من الدول الغربية، فإن معدلات الضرائب على الشركات في المملكة العربية السعودية منخفضة بشكل ملحوظ، حيث تستفيد بعض الصناعات والمناطق من الإعفاءات الضريبية أو حتى المعدلات المخفضة”.
وقال “إن رقمنة العمليات البيروقراطية تسهل على المستثمرين التنقل في بيئة الأعمال وإقامة العمليات في البلاد”.
تلعب الحوافز دوراً هاماً في قرارات المستثمرين من خلال زيادة جاذبية المملكة العربية السعودية كوجهة استثمارية.
ووفقا لخيري، تنجذب الشركات إلى الأسواق التي تتمتع بأنظمة ضريبية مواتية وهياكل تنظيمية مبسطة لأنها تساهم في زيادة الربحية والكفاءة التشغيلية.
وأضاف حفيظ: “من المتوقع أن تؤدي هذه التطورات المتوافقة مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 إلى زيادة مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 5.7 بالمائة في عام 2030 من 3.8 بالمائة في عام 2016”.
وبهذا، توفر المملكة العربية السعودية فرصًا مربحة للمستثمرين ورجال الأعمال الأجانب الذين يرغبون في ترسيخ وجودهم في المنطقة.
كما أن مبادرات مثل إنشاء مناطق اقتصادية خاصة وتطوير قطاع رأس المال الاستثماري تؤكد التزام الدولة بتعزيز الابتكار وريادة الأعمال.
يضم قطاع رأس المال الاستثماري أكثر من 80 شركة نشطة وعدد أكبر من الداخلين إلى السوق، مما يسلط الضوء على التزامه بتعزيز الشركات الناشئة المبتكرة.
وإلى جانب ذلك، تؤكد مبادرات تطوير البنية التحتية المستمرة مثل نيوم وريد سي جلوبال على الالتزام بإنشاء بيئات أعمال رفيعة المستوى وتعزيز الفرص في مختلف الصناعات.
وافتتحت أكثر من 200 شركة عالمية مقراتها الإقليمية في الرياض، بما في ذلك نورثرن ترست، وبيبسيكو الأمريكية، وفنادق ومنتجعات IHG، وبرايس ووترهاوس كوبرز، وديلويت الإنجليزية.
وكانت المملكة قد أعلنت سابقًا أنها لن تمنح أي عقود لأي شركة أجنبية أو كيان تجاري له قاعدة في الشرق الأوسط خارج المملكة العربية السعودية اعتبارًا من 1 يناير 2024.
قيادة الابتكار من خلال التكنولوجيا
ومن خلال احتضان القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، تقود المملكة العربية السعودية الجهود المبذولة لاستخدام هذه التقنيات لتحقيق النمو الاقتصادي.
وتحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تستثمر البلاد في أبحاث الذكاء الاصطناعي والتعليم والبنية التحتية لنقل صناعاتها إلى العصر الرقمي.
ووفقا لخيري، فإن التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعة والحكومة سوف يستغل إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية عبر القطاعات.
وأوضح أن اعتماد الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى منتجات وخدمات ونماذج أعمال جديدة، وتحسين العمليات وصنع القرار.
يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو تقنية متطورة، بإمكانات هائلة لإحداث ثورة في سلسلة التوريد وعمليات الشراء في المملكة العربية السعودية.
وتحدد الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي تم إطلاقها في عام 2019، التزام الدولة بتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرارات القائمة على البيانات.
يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي، المدعوم بنماذج لغوية كبيرة مثل ChatGPT من OpenAI وBERT من Google، باعتباره تقنية تحويلية تتمتع بالقدرة على إحداث ثورة في سلسلة التوريد وعمليات الشراء.
وفي سياق رؤية 2030، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع أهداف التنويع الاقتصادي والتوطين والاستدامة، يضع المملكة العربية السعودية كلاعب رئيسي في إدارة سلسلة التوريد الدولية.
ويقول حافظ: “تركز الاستراتيجية الصناعية الوطنية الجديدة للمملكة على زيادة عدد المصانع في المملكة العربية السعودية إلى 36 ألف مصنع، ولكن أيضًا على تحسين قدراتها التكنولوجية”.
طريق البصيرة إلى الأمام
تستعد المملكة العربية السعودية للظهور كدولة رائدة عالميًا في مجال الأعمال والتكنولوجيا بينما تواصل رحلتها نحو التنويع الاقتصادي والابتكار.
“أعتقد أن السماء هي الحد الأقصى عندما يتعلق الأمر بفرص الأعمال في المملكة العربية السعودية، وخاصة في التقنيات المتقدمة في القطاعات الاقتصادية: الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وإنترنت الأشياء وغيرها من القطاعات وخاصة المتقدمة منها. قال حافظ: الطاقات المتجددة.
شباب المملكة العربية السعودية، إلى جانب التزامها بالتعليم والتقدم التكنولوجي، يضعها في مكانة قوة المواهب والابتكار.
وفي عصر تنويع سلسلة التوريد، برزت المملكة العربية السعودية كمنافس قوي في سوق الخدمات اللوجستية العالمية. تقدم المملكة عرضًا جذابًا للشركات التي تتطلع إلى تحسين سلاسل التوريد الخاصة بها وتوسيع بصمتها العالمية.
تواصل المملكة العربية السعودية مسيرتها لتصبح مركزًا عالميًا لسلسلة التوريد ورائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مع إعطاء الأولوية للبرامج لتزويد شبابها بالمهارات والمعرفة اللازمة لفرص العمل التحويلية هذه.
بكل المقاييس، لا تستطيع المملكة العربية السعودية تحسين سلسلة التوريد وعمليات الشراء فحسب، بل يمكنها أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لتمكين شبابها من الازدهار في القوى العاملة في المستقبل.
وقال خيري: “يشهد قطاع التكنولوجيا نموا سريعا، مدفوعا بالمبادرات الحكومية وزيادة الاستثمارات في مجالات مثل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي”.