صوت فيروز ليس مجرد لحن أو ناقل سلبي للكلمات. بالنسبة لها، كان الغناء شوقًا عميقًا – سعيًا إنسانيًا – لفهم جوهر الوجود. وهو يغني في أغنيته الشهيرة عاتني الناي وغاني (أعط الناي وغني)، “الغناء سر الوجود، صوت الناي يبقى بعد الوجود”.
عند الاستماع لأول مرة، يطغى غناءها وحده على كل شيء آخر، مما يخلق عشًا صوتيًا لا يوجد فيه سوى غناءها. ومع ذلك، مع كل استماع عن كثب، يفتح جمال خطوطه الشعرية طبقة جديدة من العمق في موسيقاه. إنها أكثر من مجرد مغنية. لقد كان معالجاً، وشاعراً، وأيقونة ثقافية، وحالماً، وبالطبع قناة تتدفق من خلالها روح الفن العربي.
موسيقى فيروز تتخطى الأجيال عند المهاجرين العرب.
تتشابك ألحانه الخالدة مع الأدب العربي، مستمدة من أعمال عدد لا يحصى من الكتاب والشعراء الذين سبقوه. هذا الاندماج، بالنسبة للعديد من الشباب العرب الذين يعيشون بعيدًا عن وطنهم، يمكن أن يكون في كثير من الأحيان الخيط الوحيد الذي يربطهم بتراثهم وشعورهم بالانتماء.
وللاحتفاء بدور فيروز في إبقاء الثقافة العربية حية، قامت مؤسسة الفكر العربي – وهي منظمة عربية مستقلة غير حكومية – بإعداد كتاب خاص. «فيروز وطن“يجمع هذا الكتاب مقالات وقصصًا حول كيفية ربط موسيقى فيروز بين التقاليد القديمة والجديدة والمحلية مع العالم العربي الأوسع.
صوت فيروز لا يقتصر على الكبرياء الوطني فحسب؛ لقد كان شعورًا يتجاوز الحدود، ويملأ القلوب بإحساس عميق بالانتماء. ترسم أغانيه صورة محببة من جبال لبنان الشامخة إلى أصغر قرية.
فيما يلي بعض الأمثلة على أغانيه التي تستخدم الفولكلور اللبناني القديم والشعر العربي لخلق تقليد مشترك للعالم العربي بأكمله.
جسر القمر (جسر القمر)
فيروز حفل موسيقي في عام 1962'جسر القمر” – حكاية شعبية – هي مثال عظيم على كيفية إحياء الفولكلور والأساطير اللبنانية. تدور القصة حول قريتين متورطتين في نزاع، حيث تلعب فيروز دور امرأة عالقة على جسر بينهما.
تكشف عن الكنز المخفي تحت الجسر وتقترح عليهم العمل معًا للعثور عليه بدلاً من القتال. وفي نهاية الحفل، قامت فيروز بسد الفجوة، وذكّرتنا بتراثهما المشترك – أرض لبنان وثقافته. تعكس المسرحية التوترات المتزايدة بين القومية العربية والهوية اللبنانية. وفي نهاية المطاف، فإن الأرضية المشتركة بينهما، لبنان، توحدهما.
وحدون (وحيد)
تحكي أغنية “وحدون” التي صدرت عام 1979 قصة شخصية حقيقية مستوحاة من قصيدة كتبها الشاعر طلال حيدر. كل يوم، من شرفته المطلة على الغابة الحدودية، كانت دلال حيدر ترتشف قهوتها وتراقب الشباب الثلاثة. كانوا يختفون في الغابة كل صباح ويعودون عند غروب الشمس ويستقبلونه دائمًا بابتسامة.
بعد أن تنمي لدى حيدر الرغبة في مقابلتهم والتحدث معهم، يختفون فجأة، ولن يظهروا مرة أخرى أمام شرفته. ثم، بعد أيام قليلة، كشف عنوان إحدى الصحف عن وجوه ثلاثة مقاتلين فلسطينيين قتلوا في مهمة، وتعرف حيدر عليهم على أنهم نفس الوجوه التي كان يراقبها كل يوم.
مستلهماً تضحياتهم وخسارتهم المفاجئة، كتب حيدر قصيدة أصبحت أغنية “وحدون” عام 1979.
شال (وشاح)
“أغنية فيروز”شال“، صدر عام 1964، وهو مأخوذ من قصيدة للشاعر اللبناني سعيد عجلين، يصف فيها امرأة ترتدي شالاً وردياً منسدلاً. وتعكس الموسيقى خفة الشال ورشاقته، وتعكس إيقاعاته اللطيفة حركته.
ومع ذلك، فإن الكلمات تحمل معنى أعمق. يتحدثون عن اعتناق النقاء والاتصال الروحي. بالنسبة للشاعر، تمثل هذه الحالة التي لم يمسها أحد أعلى أشكال الألوهية. يجسد صوت فيروز الهادئ المقترن بالموسيقى الخفيفة والمتجددة الهواء هذا الشعور بالنقاء والارتقاء الروحي.
عاتني الناي وغاني (يعطي الناي ويغني)
أغنية “عاتني الناي وغاني(أعطني الناي وغني) الصادر عام 1964، وهو حوار شعري على أنغام الموسيقى. تستكشف الكلمات المستوحاة من شعر الشاعر والكاتب اللبناني الشهير خليل جبران، موضوعات الطبيعة والراحة والقوة الدائمة للفن.
جوهر الأغنية هو السطر المتكرر: “أثيني النوي وكاني” (أعط الناي وغني). يعبر هذا الخط عن الرغبة في مستوى أعلى يتجاوز العالم المادي على الأرض. إنها دعوة إلى الموسيقى، إلى لحن الناي الذي ينقل الشاعر من أعباء الوجود.
تقدم القصائد لمحة عن عدم رضا الشاعر عن الوجود المادي الجامد. وبدلاً من ذلك، فإنهم يتوقون إلى حرية وبساطة الغابة، رمزًا لجمال الطبيعة وروحها الجامحة.