إحياء الحركة النقابية العربية في القرن العشرين
ابتداءً من أوائل القرن العشرين، شهدت الدول العربية تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية كبيرة كان لها دور فعال في تعزيز أنشطة النقابات التجارية والجمعيات المهنية داخل هذه البلدان.
وفي سوريا ولبنان، قبل أن تحصل الدولتان على استقلالهما، كانت هناك قوة عمل كبيرة ظهرت، في المقام الأول في صناعات النسيج والتبغ. وأدت هذه الزيادة في القوى العاملة إلى جانب توسع الأنشطة الصناعية في هذه القطاعات إلى هجرة العمال من القرى إلى أطراف المناطق الحضرية، حيث ازدهرت فرص العمل في القطاع الصناعي.
ومع ذلك، فقد عززت هذه التغيرات الاجتماعية جيوب الفقر والعوز في هذه الضواحي، مع أنواع مختلفة من الخسائر التي يعاني منها العمال الصناعيون، لا سيما في الأجور وحقوق الإجازات والصحة ومعايير السلامة في مكان العمل وغيرها من الجوانب. ومن الواضح أن هذا النمو الصناعي جاء بتكلفة يزيد تشير الدراسات المعاصرة إلى عدم المساواة الاجتماعية واتساع الفوارق بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
وفي الوقت نفسه، نمت الطبقة العاملة في لبنان وسوريا ارتباط في الأنشطة السياسية تحركها قوى أيديولوجية مختلفة متأثرة بالمثل اليسارية والاشتراكية والقومية. وبالتالي، فإن التقاء المظالم والمطالب الاجتماعية من خلال الدعوة السياسية دفع العمال إلى إنشاء نقابات حيث يمكنهم تنظيم مطالبهم الجماعية بشكل فعال والانخراط في العمل السياسي.
على سبيل المثال، يمكن فهم الدور المهم الذي لعبه “حزب الشعب اللبناني” (الذي أصبح فيما بعد “الحزب الشيوعي اللبناني”) عام 1924 في تأسيس “النقابة العامة لعمال التبغ”، و”الاتحاد العام للعمال”. وفي عام 1944 نقابات العمال والنقابات المختلفة.
مع مرور الوقت، بدأت الحركة النقابية التجارية في لبنان وسوريا يعتبر أدوار رئيسية في مقاومة الاستعمار الفرنسي قبل استقلال البلاد وتنظيم الإضرابات والمظاهرات ضد حكومات ما بعد الاستقلال المتعاقبة.
في الواقع، حصلت الحركة النقابية في كلا البلدين على بعض الامتيازات للطبقة العاملة، بما في ذلك التشريع قانون العمل عام 1946 في لبنان وسوريا 1959تثبيت صندوق المساعدة الاجتماعية وفي لبنان عام 1942، تم إدخال نظام الضمان الاجتماعي للعاملين في المهن والحرف والصناعات عام 1959.
ومن الجدير بالذكر أن المنظمات اليسارية التي دعمت الحركة النقابية خلال هذه الفترة استفادت من الدعم السياسي والمالي والأيديولوجي للنقابة السوفييتية.
وفي فلسطين، كان توسع العمالة الصناعية نتيجة للانتداب البريطاني. تشجيع واضطر الفلسطينيون إلى التحول من العمل الزراعي إلى العمل مدفوع الأجر، خاصة في الموانئ ومشاريع البنية التحتية والسكك الحديدية التي بنتها بريطانيا لخدمة مصالحها. وتوضح هذه الخلفية أصول النشاط النقابي الفلسطيني، الذي بدأ مع نقابة عمال السكك الحديدية قبل تأسيس اتحاد العمال العربي الفلسطيني عام 1925.
وفي وقت لاحق، أجبرت التطورات السياسية النقابات الفلسطينية على تحويل تركيزها من القضايا العمالية التقليدية إلى المقاومة ضد الاستعمار البريطاني وإجراءات الاستيطان الصهيوني. ونتيجة لذلك، كان على النقابات الفلسطينية أن تعطي الأولوية للنشاط السياسي على حساب الاهتمامات العمالية الضيقة.
وبالمثل، فإن ظهور الحركات النقابية التجارية في الدول العربية في القرن العشرين تأثر بالبيئات السياسية وأنظمة الإنتاج السائدة.
ومن الجدير بالذكر أنه في البحرين والكويت والعراق، تبين أن النقابات التجارية كبيرة تطوير وفي قطاع النفط، ترتبط الصناعة بتوسيع فرص العمل. ونتيجة لذلك، لعبت هذه النقابات دورًا فعالًا في تأمين تحسينات كبيرة في ظروف العمل وشروط التوظيف.
وفي حالة الجزائر، تشكلت الحركة النقابية في البداية بشكل مستقل عن النقابات الفرنسية في عام 1956، وسرعان ما تحولت. مشترك ب في أنشطة المقاومة ضد الحكم الاستعماري الفرنسي. وهكذا، فإن بدء الحركة النقابية في الجزائر كان مرتبطاً ارتباطاً جوهرياً بحركة سياسية أوسع تدعو إلى الاستقلال، بدلاً من أن تكون متجذرة في التغيرات الاقتصادية أو الاجتماعية.
قبل عام 1956، كانت النقابات الجزائرية مرتبطة بالاتحاد العام الفرنسي للشغل، الذي استبعد القادة المحليين من المناصب الرئيسية. يوضح هذا السياق التاريخي سبب إعطاء الحركة النقابية الجزائرية الأولوية للنضال من أجل الاستقلال قبل معالجة المخاوف العمالية التقليدية.
النقابات التجارية في تونس كما في الجزائر شكلت ردا على الرغبة في الانسحاب من المنظمات النقابية الفرنسية. وأنشأ “جامعة النقد التونسية” سنة 1924، ثم أعقبها إنشاء نقابة الشغل التونسية سنة 1946.
في تونس، اتبعت الحركة النقابية أجندة متعددة الأوجه تناولت الشؤون العامة اليومية وأوجه عدم المساواة الاجتماعية، لا سيما تلك التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية الفرنسية ضد العمال التونسيين.
ونتيجة لذلك، اضطلعت الحركة النقابية التونسية بدور مزدوج: أولا، كقوة مقاومة للاستعمار، وثانيا، كلاعب سياسي مؤثر يتفاوض مع السلطات لحماية مصالح العمال التونسيين.
وحتى يومنا هذا، لا يزال الاتحاد التونسي يتمتع بنفوذ سياسي كبير داخل تونس، مما يميزه عن اتحادات النقابات التجارية العربية الأخرى.