الرياض: تعيش الروبوتات بيننا منذ سنوات، بدءًا من خطوط تجميع مصانعنا وحتى المركبات ذاتية القيادة التي تقوم بفرز الطرود. الآن، مع التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي، يتولى رفاقنا من الروبوتات مهام أكثر تعقيدًا، بما في ذلك جراحة القلب.
وباستخدام يد دقيقة وثابتة، يمكن للروبوتات إجراء عمليات دقيقة تتجاوز قدرات الجراحين البشريين ذوي المهارات العالية، مما يثبت أنها أقل تدخلاً للمريض، مما يوفر أوقات تعافي أسرع ويقلل من العدوى بعد الجراحة.
ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن يتجاوز سوق الجراحة بمساعدة الروبوت 14 مليار دولار بحلول عام 2026. ومن خلال الاستثمار بكثافة في الابتكار في مجال الرعاية الصحية، خطت المملكة العربية السعودية بالفعل خطوات كبيرة في اعتماد الروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الطب.
في سبتمبر، حقق فريق القلب في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض إنجازًا تاريخيًا من خلال إجراء أول عملية زرع قلب آلي بالكامل في العالم لصبي يبلغ من العمر 16 عامًا يعاني من قصور القلب في المرحلة النهائية.
رئيس قسم جراحة القلب ومدير برنامج الروبوتات والجراحة طفيفة التوغل في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، د. وقال فراز خليل إن نجاح الإجراء يمثل قفزة هائلة في الجراحة بمساعدة الروبوتات ويسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تغيير قواعد اللعبة.
وقال خليل لأراب نيوز: “الذكاء الاصطناعي أداة لا تقدر بثمن”. “إنه يسمح لنا بمعالجة كمية كبيرة من البيانات في الوقت الحقيقي، مما يوفر رؤى تعمل على تحسين عملية صنع القرار لدينا في غرفة العمليات. لكنه لا يحل محل الجراحين – فهو يحسن ما يمكننا القيام به.”
وتم إجراء الجراحة باستخدام نظام دافنشي الجراحي، وهو عبارة عن منصة روبوتية طورتها شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية Intuitive Surgical المعروفة بالدقة والتحكم.
وإلى جانب الذكاء الاصطناعي، فإنه يوفر تحليلات في الوقت الفعلي أثناء الجراحة، ويعالج البيانات بشكل مستمر، ويوفر رؤى سريرية ويسمح بإجراء تغييرات فورية.
Da Vinci Xi هو النظام الجراحي الآلي متعدد المنافذ الأكثر استخدامًا في العالم، وهو قادر على أداء مجموعة واسعة من الإجراءات الطبية.
وتسمح أذرع الكمبيوتر الآلية، الموجهة بالأيدي البشرية، للأطباء بالعمل من خلال شقوق صغيرة، وبالتالي تجنب شقوق الصدر المفتوحة المطلوبة عادة لجراحة القلب الكبرى.
وقال خليل: “لقد عرفنا دائمًا إمكانات الأنظمة الروبوتية، ولكن من غير المعتاد أن نرى شيئًا معقدًا مثل عملية زرع القلب”. “الدقة التي حققناها كانت مستحيلة باستخدام التقنيات التقليدية.”
ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي، تمكن الفريق من اتخاذ قرارات حاسمة بدقة متناهية، والاستجابة الفورية لأي تغييرات في حالة المريض.
ولضمان سلامة المرضى، خضع الفريق لعمليات محاكاة صارمة قبل الجراحة، ومارس الإجراء بأكمله سبع مرات على مدار ثلاثة أيام متتالية. وقد سمح لهم ذلك بتحديد كل خطوة وتقليل المشكلات المحتملة.
تمت معايرة كل خطوة من العملية بدقة. وخضعت الأدوات الروبوتية لعدة اختبارات لضمان الأداء الأمثل، وقام الفريق بمراقبة مجموعة البيانات بشكل مستمر طوال العملية.
لم يقلل هذا النهج الجراحي البسيط من خطر حدوث مضاعفات فحسب، بل أدى أيضًا إلى تقليل وقت تعافي المريض بشكل كبير وتقليل التندب، مما يمثل تقدمًا كبيرًا في جراحة زرع الأعضاء.
وقال خليل: “إن نجاح هذه العملية الرائدة يعود في الواقع إلى عدد قليل من العناصر الأساسية؛ التكنولوجيا المتقدمة، والتخطيط الدقيق، والمحاكاة الصارمة، والتنسيق بين الفريق الذي لا تشوبه شائبة”.
سيتم تحليل البيانات التي تم جمعها أثناء الجراحة – مثل القياسات الدقيقة واستجابة المريض ومؤشرات أداء النظام – لتحسين التقنيات المستقبلية. لن يؤدي هذا إلى تحسين برنامج الجراحة الروبوتية فحسب، بل سيساهم أيضًا في إجراء أبحاث أوسع في مجال زراعة الأعضاء الروبوتية.
يعتقد خليل أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورًا متزايدًا في الجراحة، ليصبح شريكًا في الوقت الفعلي في غرفة العمليات، مما يوفر رؤى تنبؤية ويحسن المسارات الجراحية. في الواقع، سيستمر الجراحون البشريون في اكتساب مكانة باستخدام خبرتهم وحدسهم.
ومع ذلك، فإن ظهور الروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي سيغير الطريقة التي يعمل بها هو وزملاؤه معًا كفريق واحد وسيتطلب مهارات ومواهب فنية عالية التخصص في تطبيق الروبوتات المتقدمة والقدرة على تفسير الرؤى المستندة إلى البيانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.
مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ليس غريباً على الأولوية السريرية. مع وجود أكثر من 400 عملية جراحية للقلب باستخدام الروبوت، يعد المستشفى من بين أفضل خمسة مراكز لإجراء عمليات القلب الروبوتية على مستوى العالم.
وقد حقق برنامج جراحة القلب الروبوتية معدل بقاء على قيد الحياة بنسبة 98 بالمائة، حيث أجرى عمليات جراحية معقدة مثل عمليات الصمامات المتعددة واستبدال الصمام الأبهري.
إن نجاح عملية زرع القلب الروبوتية الأخيرة يفتح الطريق أمام إجراء إجراءات أكثر تعقيدًا مع قدر أكبر من الأمان والكفاءة.
إن ريادة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي لا تعمل على تحسين نتائج المرضى فحسب، بل تضع المملكة أيضًا كشركة رائدة عالميًا ناشئًا في مجال ابتكار الرعاية الصحية.